حينما
تنزعج الأم وتحتار عند بدء طفلها الرضيع بالبكاء بشكل متواصل وبشدة أكبر
من المعتاد، نتيجة شعوره بنوبات المغص، فإن عليها تذكر أن البكاء هو الشيء
الوحيد الذي بمقدور الطفل فعله إزاء ما يشعر به، وأنها ليست الوحيدة في
الشعور بالحيرة إزاء بكاء الطفل آنذاك، بل ان الأطباء ايضا يُشاطرونها
الحيرة في إعطاء تفسير وجيه حول سبب ظهور هذه المشكلة لدى الأطفال الرضع.
ومع هذا، فإن الأكيد هو أن الأطفال، وهم في نوبات المغص والبكاء تلك، إنما
هم بصحة جيدة، أي ليسوا مرضى، والأمر لا علاقة له بالطريقة التي تعتني أو
تتعامل بها الأم مع رضيعها، ولا ذنب لها ولا للأب في التسبب بمعاناة الطفل
تلك. لكن ما على الأم إدراكه هو أن الطفل في نوبات المغص والبكاء يكون أكثر
حساسية لما يدور حوله من أمور قد تكون مزعجة له بالمقارنة مع ما يتفاعل به
الطفل في حالاته العادية أو ما يُحس به عادة بقية الأطفال الرضع الآخرين
إزاء تلك الأمور.
* بكاء المغص
ولا يُوجد اتفاق حول تعريف تلك النوبات بعبارات طبية دقيقة، لكن يُعتبر
بكاء الطفل من نوع بكاء المغص حينما يبكي بشدة متكررة أكثر من ثلاثة أيام
في الأسبوع، لمدة تزيد بمجملها عن ثلاثة ساعات يومياً، خلال أكثر من ثلاثة
أسابيع في الشهر الواحد.
وتظهر
نوبات بكاء مغص الطفل baby colic عادة في الفترة بين الأسبوع الثالث
والسادس بعد الولادة. ويُصاب بها في الغالب الأطفال الذين يرضعون
بالقارورة، لكن حتى الأطفال الذين يرضعون رضاعة طبيعية من ثدي الأم عُرضة
لتك المعاناة. وغالباً ما تزول عند بلوغ سن ثلاثة أشهر، بشكل مفاجئ
أحياناً. وفي نوبات المغص تلك، قد يبكي الطفل بشكل متواصل أو بشكل متقطع
لمدة قد تزيد عن ثلاث ساعات طوال اليوم. وتختلف شدة بكاء الطفل الواحد من
آن لآخر، كما تختلف الشدة في البكاء بين الأطفال. وكلما بكى الطفل، فإنه
سيبتلع الهواء، ما يزيد من كمية الغازات في بطنه، ويزيد بالتالي من معاناة
المغص تلك. وبالرغم من أن نوبات المغص تلك، والبكاء المصاحب لها قد تظهر أو
تزداد سوءا عند حلول المساء، إلا أن الأمر قد يحصل في أي ساعات النهار.
* عوامل وأسباب
يعتقد البعض أن المغص الذي ينتاب البطن لدى الطفل إنما ينتج عن احتباس
غازات في قنوات أمعاء الجهاز الهضمي. وبالرغم من دعم بعض الأدلة العلمية
الطبية لهذا الاعتقاد، إلا أن هذا الأمر، أي احتباس غازات في الأمعاء، ليس
السبب الوحيد في كل الحالات التي تنتاب الأطفال الرضع تلك النوبات من
البكاء. وثمة نظرات طبية أشمل، ترى أن الحالة تحصل عند اجتماع عدة عناصر
لدى الطفل. وهي ما تشمل أربعة عناصر: الأول: تدني عتبة حساسية تفاعل الطفل
ومزاجه مع الظروف المحيطة به من درجة الحرارة أو الرطوبة أو الضجيج أو
الاهتمام أو غيره، مما يجعل الطفل سهل اللجوء إلى البكاء. ثانياً: عدم
اكتمال نمو الجهاز العصبي لدى الطفل، سواء في الأطراف العصبية المنتشرة في
الأمعاء ودرجة تفاعلها مع ما يدور فيها، وأيضاً درجة نمو الجهاز العصبي
المركزي التي قد لا تُمكن الطفل من ضبط دواعي لجوئه إلي البكاء وعدم
السيطرة عليه إلا عند الضرورة.
ومن
المهم إدراك الأمهات والآباء، وبقية الإخوة والأخوات، لهذين الجانبين عند
تعاملهم مع الأطفال الرضع وتفاعلهم مع بكائهم، لأن الطفل الرضيع قد يبكي من
أسباب قد نراها نحن، بأجهزتنا العصبية والعقلية المتطورة النمو، تافهة أو
يغيب عن بالنا أنها قد تثير بكاء الطفل، بينما الأمر مختلف تماماً لديه.
وعلى سبيل المثال كلنا نُدرك ونعلم أنه يضحك لأتفه الأسباب أو عند سماع
أصوات غريبة، لكن الغريب هو أننا برغم علمنا بذلك الأمر مع الضحك فإننا
نستغرب أمورا أخرى تدفع الطفل للبكاء، أي بمعنى ان كلنا يعلم أن الطفل
الرضيع قد يضحك لأشياء نراها غريبة عجيبة، فلماذا نتعجب أو نستغرب منه
حينما يبكي لأشياء أخرى غريبة عجيبة قد لا تخطر على البال؟
ثالثاً:
عدم اكتمال نمو الجهاز الهضمي بنية ووظيفة في التعامل مع الغذاء الذي
يأخذه عن طريق البلع، وفي أيضاً التعامل والتعود على وجود هواء غازي في
مجاري قنوات الهضم. والطفل في تلك المرحلة المبكرة من العمر في طور بناء
قدرات التعامل تلك. ولذا قد نلحظ ببساطة أن الطفل أثناء الرضاعة يبتلع
كميات من الهواء، ما يُملي على المُرضعة إعطاء راحة أثناء الرضاعة للطفل
ووضعه في وضعية قائمة لاعطاء فرصة لخروج أكبر كمية من الهواء الذي ابتلعه
من خلال التجشؤ عبر الفم، وهو ما قد يخرج بشكل مفاجئ للطفل ويصدر عنه صوت
قد يرتاع ويبكي الطفل منه! وكذلك الحال مع تعود الأمعاء على آلية طبيعية
لخروج الغازات عبر فتحة الشرج، وهو أمر حتى البالغين قد يُواجهون صعوبات
فيه بالرغم من التطور في نمو الجهاز الهضمي لديهم ومعرفتهم بأنسب الطرق
لتسهيل خروج الغازات بشكل طبيعي.
رابعاً:
هناك من الدراسات الحديثة للباحثين من الولايات المتحدة، وخاصة جامعة
براون، تقول إن أكثر من نصف حالات بكاء مغص الطفل الرضيع إنما هي نتيجة
لدرجة متوسطة من ترجيع محتويات المعدة إلى المريء gastroesophageal reflux،
وبعضها نتيجة لعدم تقبل الأمعاء للحليب lactose intolerance. ولذا تغلب
الحالة لدى من يرضعون من القارورة.
خامساً:
تثير بعض الدراسات الحديثة فرضيات لتفسيرات أخرى تتعلق بأن نمو الغدة
الصنوبرية في الدماغ لم يكتمل بعد عادة لدى الأطفال الرضع إلا عند بلوغ سن
ثلاثة أشهر، وهو الوقت الذي تزول الحالة فيه لدى غالبية الأطفال. ولذا
يقولون إن المشكلة تشتد عند حلول المساء، وهو الوقت الطبيعي الذي يجب أن
تبدأ فيه الغدة الصنوبرية إفراز هرمون ميلاتونين لتسهيل استرخاء الجسم
والخلود إلى النوم، وحيث أن تلك الغدة غير قادرة على إفراز هرمون ميلاتونين
بشكل طبيعي إلا بعد سن ثلاثة أشهر، فإن المشكلة تظهر.
ويُدللون
على صحة الفرضية هذه بتغيرات النظام اليومي للأم في الثلث الأخير من أشهر
فترة الحمل، وبمدى معاناتها من التوتر النفسي وممارسة التدخين كعوامل تُسهم
في إصابة أطفال ذلك الحمل بالمشكلة في أول ثلاثة أشهر بعد الولادة.
* الأم وبكاء الرضيع
كون أنه لا تُوجد إرشادات طبية محددة لمعالجة حالات بكاء مغص الأطفال
الرضع، لا يعنى إلا أمراً واحداً من الناحية العلاجية التطبيقية التي تهم
الأم، بالدرجة الأولى في نهاية المطاف، في تخفيف معاناة رضيعها، وهو أن
مهارة الأم في ملاحظة الطفل والعناية المستمرة به، وفي تعاونها مع الطبيب،
وفي حُسن استخدامها للنصائح والوسائل المُقترحة كحلول علاجية، هو أهم
الوسائل لديها للنجاح في تخفيف معاناة الطفل الرضيع، وفي تخفيف معاناتها هي
وبقية أفراد الأسرة من هذه الحالة. وتقول الأكاديمية الأميركية لأطباء
الأسرة في الولايات المتحدة إن بإمكان الأم محاولة استخدام وسائل شتى في
تهدئة الطفل وتخفيف المعاناة لديه. وتشمل الوسائل تغير طريقة تغذيته أو
رعايته من حمله أو وضعه أو غير ذلك. وتقترح العناصر التالية:
ـ هز الطفل في المهد أو الكرسي الهزاز.
ـ وضع الطفل في أرجوحة، مع التأكد من توفير سند للظهر والرأس.
ـ استحمام الطفل بماء فاتر.
ـ إعطاء الطفل المصَّاصة.
ـ تدليك البطن برفق.
ـ لف الطفل ببطانية ناعمة.
ـ
وضع الطفل في عربة المشاية للأطفال والذهاب به في مشوار. ـ أخذ الطفل في
مشوار بالسيارة، مع الاهتمام بوضعه في المقعد المخصص له فيها.
وتقترح
في جانب تغيرات التغذية، أن تُرضعه بعد ساعتين من فراغ إعطائه آخر رضعة.
والمهم إعطاؤه رضعات متكررة في مدد زمنية قصيرة. وربما احتاج الأمر تغير
نوعية الحليب الذي يُقدم للطفل، مع الاهتمام بتدفئة حليب الرضعة قبل تناول
الطفل لها، أو استخدام حلمة ذات ثقب أصغر لو كانت الرضاعة لا تستغرق أقل من
عشرين دقيقة، إذ المهم ألا يتم إرضاع الطفل بعجلة. وعلى الأم اللجوء إلى
الطبيب وأخذ مشورته حينما تشعر بأن من الصعب عليها التحكم في الحالة باتخاذ
هذه الوسائل، أو أن الأمر أثر على نمو وزن الطفل أو كان هناك ارتفاع في
حرارة الطفل.
كما
أن اللجوء إلى استخدام «ماء غريب» أو شاي الأعشاب أو غيره من العلاجات
البديلة أو أدوية المغص أو تخفيف الغازات، كله يجب أن يتم بإشراف الطبيب.
* تناول الأطفال لماء غريب..
جدال علمي واستخدامات مختلفة > تلجأ كثير من الأمهات في كثير من دول
العالم، وبتوجيهات من كثير من الأطباء، نحو إعطاء الأطفال جرعات قليلة من
«ماء غرْيب» Gripe water. وثمة اختلافات علمية طبية حول جدواه وأمان تناول
الأطفال له، وهو بالأصل عبارة عن أحد المستحضرات العشبية العلاجية،
المتوفرة بهيئة سائلة، أي ترياق خال من أي مركبات دوائية صيدلانية، ظهر
لأول مرة عام 1851 في بريطانيا، وهو يُستخدم لتخفيف نوبات بكاء مغص الأطفال
الرضع وغيرهم، وتخفيف المعاناة بينهم من غازات البطن، وتخفيف ألم التسنين
وظهور الأسنان، وغيرها من الأعراض المزعجة في الجهاز الهضمي للأطفال. كما
أن ثمة من البالغين من يتناوله، بكميات أكبر من تلك التي تُعطى للأطفال
عادة، في تخفيف ألم مغص الأمعاء أو الغازات أو غيرها من شكوى الجهاز
الهضمي.
وهناك
بالأسواق في مناطق شتى من العالم أنواع مختلفة من ماء غريب بأسماء تجارية
عدة. ويحتوي في غالب أنواعه على مركبات فاعلة مستخلصة من الزنجبيل ginger،
والشبت dill، والشمر fennel، والبابونج chamomile. وتتفنن الشركات اليوم في
إنتاج أنواع مختلفة من ماء غريب تحتوي المواد المذكورة بخلطات مختلفة، لكن
النوع الإنجليزي الأصلي والشائع Woodward's Gripe Water يحتوي على زيت
الشبت وبيكربونات الصوديوم وسكر وماء.
وعلى
الرغم من الاستخدام الواسع له في كافة أنحاء العالم منذ مدة تزيد على 150
سنة، إلا أن المصادر الطبية العالمية تؤكد أنه لم يخضع للدراسات العلمية
الطبية الجادة، أي انه وبالرغم من عدم وجود أدلة علمية علي جدوى استخدامه
في معالجات اضطرابات الأمعاء والهضم لدى الأطفال، إلا أن الكثيرين من أطباء
العالم يسمحون وينصحون باستخدامه في معالجة الأطفال! ولذا حينما منعت
إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة استيراد أي منتجات ماء غريب عام
1993 التي تُعرّف بأنها أدوية، قامت الشركات بتسويقها علي أنها ملحقات
غذائية. وهو ما يعني أنها لا تحتاج إلى موافقة إدارة الغذاء والدواء
باعتبارها مُعرّفة بأنها منتجات غير دوائية.
وتتوفر
لذلك حتى في متاجر المواد الغذائية. ومع هذا فإن ثمة أنواعاً مُنتجة في
الولايات المتحدة وتخضع لضوابط إدارة الغذاء والدواء في إجراءات أمان
الإنتاج والتعبئة والفاعلية.
تنزعج الأم وتحتار عند بدء طفلها الرضيع بالبكاء بشكل متواصل وبشدة أكبر
من المعتاد، نتيجة شعوره بنوبات المغص، فإن عليها تذكر أن البكاء هو الشيء
الوحيد الذي بمقدور الطفل فعله إزاء ما يشعر به، وأنها ليست الوحيدة في
الشعور بالحيرة إزاء بكاء الطفل آنذاك، بل ان الأطباء ايضا يُشاطرونها
الحيرة في إعطاء تفسير وجيه حول سبب ظهور هذه المشكلة لدى الأطفال الرضع.
ومع هذا، فإن الأكيد هو أن الأطفال، وهم في نوبات المغص والبكاء تلك، إنما
هم بصحة جيدة، أي ليسوا مرضى، والأمر لا علاقة له بالطريقة التي تعتني أو
تتعامل بها الأم مع رضيعها، ولا ذنب لها ولا للأب في التسبب بمعاناة الطفل
تلك. لكن ما على الأم إدراكه هو أن الطفل في نوبات المغص والبكاء يكون أكثر
حساسية لما يدور حوله من أمور قد تكون مزعجة له بالمقارنة مع ما يتفاعل به
الطفل في حالاته العادية أو ما يُحس به عادة بقية الأطفال الرضع الآخرين
إزاء تلك الأمور.
* بكاء المغص
ولا يُوجد اتفاق حول تعريف تلك النوبات بعبارات طبية دقيقة، لكن يُعتبر
بكاء الطفل من نوع بكاء المغص حينما يبكي بشدة متكررة أكثر من ثلاثة أيام
في الأسبوع، لمدة تزيد بمجملها عن ثلاثة ساعات يومياً، خلال أكثر من ثلاثة
أسابيع في الشهر الواحد.
وتظهر
نوبات بكاء مغص الطفل baby colic عادة في الفترة بين الأسبوع الثالث
والسادس بعد الولادة. ويُصاب بها في الغالب الأطفال الذين يرضعون
بالقارورة، لكن حتى الأطفال الذين يرضعون رضاعة طبيعية من ثدي الأم عُرضة
لتك المعاناة. وغالباً ما تزول عند بلوغ سن ثلاثة أشهر، بشكل مفاجئ
أحياناً. وفي نوبات المغص تلك، قد يبكي الطفل بشكل متواصل أو بشكل متقطع
لمدة قد تزيد عن ثلاث ساعات طوال اليوم. وتختلف شدة بكاء الطفل الواحد من
آن لآخر، كما تختلف الشدة في البكاء بين الأطفال. وكلما بكى الطفل، فإنه
سيبتلع الهواء، ما يزيد من كمية الغازات في بطنه، ويزيد بالتالي من معاناة
المغص تلك. وبالرغم من أن نوبات المغص تلك، والبكاء المصاحب لها قد تظهر أو
تزداد سوءا عند حلول المساء، إلا أن الأمر قد يحصل في أي ساعات النهار.
* عوامل وأسباب
يعتقد البعض أن المغص الذي ينتاب البطن لدى الطفل إنما ينتج عن احتباس
غازات في قنوات أمعاء الجهاز الهضمي. وبالرغم من دعم بعض الأدلة العلمية
الطبية لهذا الاعتقاد، إلا أن هذا الأمر، أي احتباس غازات في الأمعاء، ليس
السبب الوحيد في كل الحالات التي تنتاب الأطفال الرضع تلك النوبات من
البكاء. وثمة نظرات طبية أشمل، ترى أن الحالة تحصل عند اجتماع عدة عناصر
لدى الطفل. وهي ما تشمل أربعة عناصر: الأول: تدني عتبة حساسية تفاعل الطفل
ومزاجه مع الظروف المحيطة به من درجة الحرارة أو الرطوبة أو الضجيج أو
الاهتمام أو غيره، مما يجعل الطفل سهل اللجوء إلى البكاء. ثانياً: عدم
اكتمال نمو الجهاز العصبي لدى الطفل، سواء في الأطراف العصبية المنتشرة في
الأمعاء ودرجة تفاعلها مع ما يدور فيها، وأيضاً درجة نمو الجهاز العصبي
المركزي التي قد لا تُمكن الطفل من ضبط دواعي لجوئه إلي البكاء وعدم
السيطرة عليه إلا عند الضرورة.
ومن
المهم إدراك الأمهات والآباء، وبقية الإخوة والأخوات، لهذين الجانبين عند
تعاملهم مع الأطفال الرضع وتفاعلهم مع بكائهم، لأن الطفل الرضيع قد يبكي من
أسباب قد نراها نحن، بأجهزتنا العصبية والعقلية المتطورة النمو، تافهة أو
يغيب عن بالنا أنها قد تثير بكاء الطفل، بينما الأمر مختلف تماماً لديه.
وعلى سبيل المثال كلنا نُدرك ونعلم أنه يضحك لأتفه الأسباب أو عند سماع
أصوات غريبة، لكن الغريب هو أننا برغم علمنا بذلك الأمر مع الضحك فإننا
نستغرب أمورا أخرى تدفع الطفل للبكاء، أي بمعنى ان كلنا يعلم أن الطفل
الرضيع قد يضحك لأشياء نراها غريبة عجيبة، فلماذا نتعجب أو نستغرب منه
حينما يبكي لأشياء أخرى غريبة عجيبة قد لا تخطر على البال؟
ثالثاً:
عدم اكتمال نمو الجهاز الهضمي بنية ووظيفة في التعامل مع الغذاء الذي
يأخذه عن طريق البلع، وفي أيضاً التعامل والتعود على وجود هواء غازي في
مجاري قنوات الهضم. والطفل في تلك المرحلة المبكرة من العمر في طور بناء
قدرات التعامل تلك. ولذا قد نلحظ ببساطة أن الطفل أثناء الرضاعة يبتلع
كميات من الهواء، ما يُملي على المُرضعة إعطاء راحة أثناء الرضاعة للطفل
ووضعه في وضعية قائمة لاعطاء فرصة لخروج أكبر كمية من الهواء الذي ابتلعه
من خلال التجشؤ عبر الفم، وهو ما قد يخرج بشكل مفاجئ للطفل ويصدر عنه صوت
قد يرتاع ويبكي الطفل منه! وكذلك الحال مع تعود الأمعاء على آلية طبيعية
لخروج الغازات عبر فتحة الشرج، وهو أمر حتى البالغين قد يُواجهون صعوبات
فيه بالرغم من التطور في نمو الجهاز الهضمي لديهم ومعرفتهم بأنسب الطرق
لتسهيل خروج الغازات بشكل طبيعي.
رابعاً:
هناك من الدراسات الحديثة للباحثين من الولايات المتحدة، وخاصة جامعة
براون، تقول إن أكثر من نصف حالات بكاء مغص الطفل الرضيع إنما هي نتيجة
لدرجة متوسطة من ترجيع محتويات المعدة إلى المريء gastroesophageal reflux،
وبعضها نتيجة لعدم تقبل الأمعاء للحليب lactose intolerance. ولذا تغلب
الحالة لدى من يرضعون من القارورة.
خامساً:
تثير بعض الدراسات الحديثة فرضيات لتفسيرات أخرى تتعلق بأن نمو الغدة
الصنوبرية في الدماغ لم يكتمل بعد عادة لدى الأطفال الرضع إلا عند بلوغ سن
ثلاثة أشهر، وهو الوقت الذي تزول الحالة فيه لدى غالبية الأطفال. ولذا
يقولون إن المشكلة تشتد عند حلول المساء، وهو الوقت الطبيعي الذي يجب أن
تبدأ فيه الغدة الصنوبرية إفراز هرمون ميلاتونين لتسهيل استرخاء الجسم
والخلود إلى النوم، وحيث أن تلك الغدة غير قادرة على إفراز هرمون ميلاتونين
بشكل طبيعي إلا بعد سن ثلاثة أشهر، فإن المشكلة تظهر.
ويُدللون
على صحة الفرضية هذه بتغيرات النظام اليومي للأم في الثلث الأخير من أشهر
فترة الحمل، وبمدى معاناتها من التوتر النفسي وممارسة التدخين كعوامل تُسهم
في إصابة أطفال ذلك الحمل بالمشكلة في أول ثلاثة أشهر بعد الولادة.
* الأم وبكاء الرضيع
كون أنه لا تُوجد إرشادات طبية محددة لمعالجة حالات بكاء مغص الأطفال
الرضع، لا يعنى إلا أمراً واحداً من الناحية العلاجية التطبيقية التي تهم
الأم، بالدرجة الأولى في نهاية المطاف، في تخفيف معاناة رضيعها، وهو أن
مهارة الأم في ملاحظة الطفل والعناية المستمرة به، وفي تعاونها مع الطبيب،
وفي حُسن استخدامها للنصائح والوسائل المُقترحة كحلول علاجية، هو أهم
الوسائل لديها للنجاح في تخفيف معاناة الطفل الرضيع، وفي تخفيف معاناتها هي
وبقية أفراد الأسرة من هذه الحالة. وتقول الأكاديمية الأميركية لأطباء
الأسرة في الولايات المتحدة إن بإمكان الأم محاولة استخدام وسائل شتى في
تهدئة الطفل وتخفيف المعاناة لديه. وتشمل الوسائل تغير طريقة تغذيته أو
رعايته من حمله أو وضعه أو غير ذلك. وتقترح العناصر التالية:
ـ هز الطفل في المهد أو الكرسي الهزاز.
ـ وضع الطفل في أرجوحة، مع التأكد من توفير سند للظهر والرأس.
ـ استحمام الطفل بماء فاتر.
ـ إعطاء الطفل المصَّاصة.
ـ تدليك البطن برفق.
ـ لف الطفل ببطانية ناعمة.
ـ
وضع الطفل في عربة المشاية للأطفال والذهاب به في مشوار. ـ أخذ الطفل في
مشوار بالسيارة، مع الاهتمام بوضعه في المقعد المخصص له فيها.
وتقترح
في جانب تغيرات التغذية، أن تُرضعه بعد ساعتين من فراغ إعطائه آخر رضعة.
والمهم إعطاؤه رضعات متكررة في مدد زمنية قصيرة. وربما احتاج الأمر تغير
نوعية الحليب الذي يُقدم للطفل، مع الاهتمام بتدفئة حليب الرضعة قبل تناول
الطفل لها، أو استخدام حلمة ذات ثقب أصغر لو كانت الرضاعة لا تستغرق أقل من
عشرين دقيقة، إذ المهم ألا يتم إرضاع الطفل بعجلة. وعلى الأم اللجوء إلى
الطبيب وأخذ مشورته حينما تشعر بأن من الصعب عليها التحكم في الحالة باتخاذ
هذه الوسائل، أو أن الأمر أثر على نمو وزن الطفل أو كان هناك ارتفاع في
حرارة الطفل.
كما
أن اللجوء إلى استخدام «ماء غريب» أو شاي الأعشاب أو غيره من العلاجات
البديلة أو أدوية المغص أو تخفيف الغازات، كله يجب أن يتم بإشراف الطبيب.
* تناول الأطفال لماء غريب..
جدال علمي واستخدامات مختلفة > تلجأ كثير من الأمهات في كثير من دول
العالم، وبتوجيهات من كثير من الأطباء، نحو إعطاء الأطفال جرعات قليلة من
«ماء غرْيب» Gripe water. وثمة اختلافات علمية طبية حول جدواه وأمان تناول
الأطفال له، وهو بالأصل عبارة عن أحد المستحضرات العشبية العلاجية،
المتوفرة بهيئة سائلة، أي ترياق خال من أي مركبات دوائية صيدلانية، ظهر
لأول مرة عام 1851 في بريطانيا، وهو يُستخدم لتخفيف نوبات بكاء مغص الأطفال
الرضع وغيرهم، وتخفيف المعاناة بينهم من غازات البطن، وتخفيف ألم التسنين
وظهور الأسنان، وغيرها من الأعراض المزعجة في الجهاز الهضمي للأطفال. كما
أن ثمة من البالغين من يتناوله، بكميات أكبر من تلك التي تُعطى للأطفال
عادة، في تخفيف ألم مغص الأمعاء أو الغازات أو غيرها من شكوى الجهاز
الهضمي.
وهناك
بالأسواق في مناطق شتى من العالم أنواع مختلفة من ماء غريب بأسماء تجارية
عدة. ويحتوي في غالب أنواعه على مركبات فاعلة مستخلصة من الزنجبيل ginger،
والشبت dill، والشمر fennel، والبابونج chamomile. وتتفنن الشركات اليوم في
إنتاج أنواع مختلفة من ماء غريب تحتوي المواد المذكورة بخلطات مختلفة، لكن
النوع الإنجليزي الأصلي والشائع Woodward's Gripe Water يحتوي على زيت
الشبت وبيكربونات الصوديوم وسكر وماء.
وعلى
الرغم من الاستخدام الواسع له في كافة أنحاء العالم منذ مدة تزيد على 150
سنة، إلا أن المصادر الطبية العالمية تؤكد أنه لم يخضع للدراسات العلمية
الطبية الجادة، أي انه وبالرغم من عدم وجود أدلة علمية علي جدوى استخدامه
في معالجات اضطرابات الأمعاء والهضم لدى الأطفال، إلا أن الكثيرين من أطباء
العالم يسمحون وينصحون باستخدامه في معالجة الأطفال! ولذا حينما منعت
إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة استيراد أي منتجات ماء غريب عام
1993 التي تُعرّف بأنها أدوية، قامت الشركات بتسويقها علي أنها ملحقات
غذائية. وهو ما يعني أنها لا تحتاج إلى موافقة إدارة الغذاء والدواء
باعتبارها مُعرّفة بأنها منتجات غير دوائية.
وتتوفر
لذلك حتى في متاجر المواد الغذائية. ومع هذا فإن ثمة أنواعاً مُنتجة في
الولايات المتحدة وتخضع لضوابط إدارة الغذاء والدواء في إجراءات أمان
الإنتاج والتعبئة والفاعلية.